تعريف الحسد
1- الْحَسَدُ بِفَتْحِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا مَصْدَرُ حَسَدَ، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَتَمَنَّى الْحَاسِدُ زَوَالَ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ. وَأَمَّا مَعْنَى الْحَسَدِ فِي الِاصْطِلَاحِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ):
أ - التَّمَنِّي:
2- التَّمَنِّي فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَنَا، وَهُوَ الْقَدَرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَنِّيَ يُقَدِّرُ حُصُولَ الْأَمْرِ، وَالِاسْمُ الْمُنْيَةُ، وَالْأَمْنِيَّةُ. وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهُوَ طَلَبُ حُصُولِ الشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنًا أَوْ مُمْتَنِعًا، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَسَدِ هِيَ أَنَّ الْحَسَدَ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْمَنْثُورِ.
ب - الْحِقْدُ:
3- الْحِقْدُ فِي اللُّغَةِ الِانْطِوَاءُ عَلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَقَدَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَجَمْعُهُ أَحْقَادٌ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ طَلَبُ الِانْتِقَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزٍ عَنْ التَّشَفِّي فِي الْحَالِ رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا. وَسُوءُ الظَّنِّ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْخَلَائِقِ لِأَجْلِ الْعَدَاوَةِ فَهُوَ ثَمَرَةُ الْغَضَبِ، وَالْحَسَدُ ثَمَرَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحِقْدَ يُثْمِرُ ثَمَانِيَةَ أُمُورٍ مِنْ بَيْنِهَا الْحَسَدُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْحِقْدَ يُخْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ عَدُوِّهِ فَيَغْتَمُّ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ وَيُسَرُّ بِالْمُصِيبَةِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِ.
ج- الشَّمَاتَةُ:
4- الشَّمَاتَةُ فِي اللُّغَةِ الْفَرَحُ بِمَا يَنْزِلُ بِالْغَيْرِ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَالشَّمَاتَةُ وَالْحَسَدُ يَتَلَازَمَانِ؛ لِأَنَّ الْحَسُودَ يَفْرَحُ بِمَصَائِبِ الْغَيْرِ .
د - عَيْنٌ:
5- الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ الَّتِي يُسَمَّى صَاحِبُهَا عَائِنًا، يُقَالُ تَعَيَّنَ الرَّجُلُ الْمَالَ إذَا أَصَابَهُ بِعَيْنٍ، وَعِنْتُ الرَّجُلَ أَصَبْته بِعَيْنِي، فَأَنَا عَائِنٌ وَهُوَ مَعِينٌ وَمَعْيُونٌ. وَالْحَاسِدُ وَالْعَائِنُ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَتَكَيَّفُ نَفْسُهُ وَتَتَوَجَّهُ نَحْوَ مَنْ تُرِيدُ أَذَاهُ , إلَّا أَنَّ الْعَائِنَ تَتَكَيَّفُ نَفْسُهُ عِنْدَ مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَالْمُعَايَنَةِ، وَالْحَاسِدُ يَحْصُلُ جَسَدُهُ فِي الْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ، وَأَيْضًا الْعَائِنُ قَدْ تُزَالُ مَا لَا يَحْسُدُهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَزَرْعٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ حَسَدِ مَالِكِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْحَسَدُ أَصْلُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ. وَقَدْ تُزَالُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَقَدْ تُزَالُ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ بَلْ بِطَبْعِهِ وَهَذَا أَرْدَأُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ.
هـ - الْغِبْطَةُ:
6 - الْغِبْطَةُ تُسَمَّى حَسَدًا مَجَازًا، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ حُسْنُ الْحَالِ، وَهِيَ اسْمٌ مِنْ غَبَطْته غِبْطًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا تَمَنَّيْت مِثْلَ مَا نَالَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرِيدَ زَوَالَهُ عَنْهُ لِمَا أَعْجَبَك مِنْهُ وَعَظُمَ عِنْدَك. وَأَمَّا مَعْنَاهَا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهُوَ كَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ، أَيْ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ، وَالْحِرْصُ عَلَى هَذَا يُسَمَّى مُنَافَسَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الطَّاعَةِ فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَائِزَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن أمراض القلوب الحسد كما قال بعضهم في حده إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الاغنياء فلا يجوز أن يكون الفاضل حسودا لأن الفاضل يجرى على ما هو الجميل وقد قال طائفة من الناس إنه تمنى زوال النعمة عن المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها بخلاف الغبطة فإنه تمنى مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود (أمراض القلوب: ج1، ص14).
قال الشافعي:
الحسد إنما يكون من لؤم العنصر وتعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل الحاسد طويل الحسرات عادم الدرجات.
أقسام الحسد ومراتبه
أَقْسَامُ الْحَسَدِ:ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَسَدَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ: وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا.
وَالثَّانِي مَجَازِيٌّ: وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى: بِالْغِبْطَةِ.
مَرَاتِبُ الْحَسَدِ: مَرَاتِبُ الْحَسَدِ أَرْبَعَةٌ:
الْأُولَى: أَنْ يُحِبَّ الْحَاسِدُ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ الْمَحْسُودِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَهَذَا غَايَةُ الْخُبْثِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحِبَّ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ الْمَحْسُودِ إلَيْهِ لِرَغْبَتِهِ فِي تِلْكَ النِّعْمَةِ، مِثْلُ رَغْبَتِهِ فِي دَارٍ حَسَنَةٍ، أَوْ امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ، أَوْ وِلَايَةٍ نَافِذَةٍ، أَوْ سَعَةٍ نَالَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَمَطْلُوبُهُ تِلْكَ النِّعْمَةُ لَا زَوَالُهَا عَنْهُ، وَمَكْرُوهُهُ فَقْدُ النِّعْمَةِ لَا تَنَعُّمُ غَيْرِهِ بِهَا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَشْتَهِيَ الْحَاسِدُ عَيْنَ النِّعْمَةِ لِنَفْسِهِ بَلْ يَشْتَهِي مِثْلَهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ مِثْلِهَا أَحَبَّ زَوَالَهَا كَيْ لَا يَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا. الرَّابِعَةُ: الْغِبْطَةُ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَهِيَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ النِّعْمَةِ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ فَلَا يُحِبُّ زَوَالَهَا عَنْهُ . وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي شَأْنٍ دُنْيَوِيٍّ، وَالْمَنْدُوبُ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي شَأْنٍ دِينِيٍّ، وَالثَّالِثَةُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَغَيْرُ مَذْمُومٍ، وَالثَّانِيَةُ أَخَفُّ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَالْأُولَى مَذْمُومَةٌ مَحْضَةٌ. وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْأَخِيرَةِ حَسَدًا فِيهِ تَجَوُّزٌ وَتَوَسُّعٌ، وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ لقوله تعالى: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ" فَتَمَنِّيهِ لِمِثْلِ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَأَمَّا تَمَنِّيهِ عَيْنَ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ. | ||||||||||||
أسباب الحسد
|
0 التعليقات :
Enregistrer un commentaire