تعريف السحر
السِّحْرُ لُغَةً:
كُلُّ مَا لَطُفَ مَأْخَذُهُ وَدَقَّ.
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا) وَسَحَرَهُ أَيْ خَدَعَهُ.
وَمِنْهُ قوله تعالى: "قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ" (الشعراء: 153) أَيْ: الْمَخْدُوعِينَ. وَيُطْلَقُ السِّحْرُ عَلَى أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: السِّحْرُ عَمَلٌ تَقَرَّبَ بِهِ إلَى الشَّيْطَانِ وَبِمَعُونَةٍ مِنْهُ , كُلُّ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَيْنُونَةٌ لِلسَّحَرِ.
قَالَ: وَأَصْلُ السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، فَكَأَنَّ السَّاحِرَ لَمَّا أَرَى الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، وَخَيَّلَ الشَّيْءَ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ، قَدْ سَحَرَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ، أَيْ صَرَفَهُ. ا هـ .
وَرَوَى شِمْرٌ:
أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا سَمَّتْ السِّحْرَ سِحْرًا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الصِّحَّةَ إلَى الْمَرَضِ، وَالْبُغْضَ إلَى الْحُبِّ.
وَقَدْ يُسَمَّى السِّحْرُ طِبًّا، وَالْمَطْبُوبُ الْمَسْحُورُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ السِّحْرُ طِبًّا؛ لِأَنَّ الطِّبَّ بِمَعْنَى الْحِذْقِ، فَلُوحِظَ حِذْقُ السَّاحِرِ فَسُمِّيَ عَمَلُهُ طِبًّا. وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَفْظُ الْجِبْتِ، فَسَّرَهُ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيُّ بِالسِّحْرِ، وَقِيلَ: الْجِبْتُ أَعَمُّ مِنْ السِّحْرِ، فَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى الْكِهَانَةِ وَالْعَرَافَةِ، وَالتَّنْجِيمِ .
السحر فِي الِاصْطِلَاحِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ اخْتِلَافًا وَاسِعًا، وَلَعَلَّ مَرَدَّ الِاخْتِلَافِ إلَى خَفَاءِ طَبِيعَةِ السِّحْرِ وَآثَارِهِ. فَاخْتَلَفَتْ تَعْرِيفَاتُهُمْ لَهُ تَبَعًا لِاخْتِلَافِ تَصَوُّرِهِمْ لِحَقِيقَتِهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ:
الْمُرَادُ بِالسِّحْرِ مَا يُسْتَعَانُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى الشَّيْطَانِ مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ؛ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمَنْ يُنَاسِبُهُ فِي الشَّرَارَةِ وَخُبْثِ النَّفْسِ . قَالَ: وَأَمَّا مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ كَمَا يَفْعَلُهُ أَصْحَابُ الْحِيَلِ وَالْآلَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ، أَوْ يُرِيهِ صَاحِبُ خِفَّةِ الْيَدِ فَغَيْرُ مَذْمُومٍ، وَتَسْمِيَتُهُ سِحْرًا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ لِمَا فِيهِ مِنْ الدِّقَّةِ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ فِي الْأَصْلِ لِمَا خَفِيَ سَبَبُهُ. ا هـ .
وَنَقَلَ التَّهَانُوِيُّ عَنْ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ:
السِّحْرُ نَوْعٌ يُسْتَفَادُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَوَاصِّ الْجَوَاهِرِ وَبِأُمُورٍ حِسَابِيَّةٍ فِي مَطَالِعِ النُّجُومِ، فَيُتَّخَذُ مِنْ ذَلِكَ هَيْكَلًا عَلَى صُورَةِ الشَّخْصِ الْمَسْحُورِ، وَيَتَرَصَّدُ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ فِي الْمَطَالِعِ، وَتُقْرَنُ بِهِ كَلِمَاتٌ يُتَلَفَّظُ بِهَا مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُحْشِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالشَّيَاطِينِ، وَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَحْوَالٌ غَرِيبَةٌ فِي الشَّخْصِ الْمَسْحُورِ.
وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ:
السِّحْرُ شَرْعًا مُزَاوَلَةُ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ لِأَقْوَالٍ أَوْ أَفْعَالٍ يَنْشَأُ عَنْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ.
وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يُتَكَلَّمُ بِهِ، أَوْ يَكْتُبُهُ، أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ.
(الموسوعة الفقهية).
حقيقة السحر والأدلة عليها
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ السِّحْرَ هَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ وَوُجُودٌ وَتَأْثِيرٌ حَقِيقِيٌّ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ، أَمْ هُوَ مُجَرَّدُ تَخْيِيلٍ.
فَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ الْحَنَفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْجَصَّاصِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْإِسْتِرَابَاذِي وَالْبَغَوِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، إلَى إنْكَارِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ السِّحْرِ وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْيِيلٌ مِنْ السَّاحِرِ عَلَى مَنْ يَرَاهُ، وَإِيهَامٌ لَهُ بِمَا هُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ، وَأَنَّ السِّحْرَ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ السَّاحِرُ سُمًّا أَوْ دُخَانًا يَصِلُ إلَى بَدَنِ الْمَسْحُورِ فَيُؤْذِيهِ، وَنُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَنَّ السَّاحِرَ لَا يَسْتَطِيعُ بِسِحْرِهِ قَلْبَ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يُمْكِنُهُ قَلْبُ الْعَصَا حَيَّةً، وَلَا قَلْبَ الْإِنْسَانِ حِمَارًا.
قَالَ الْجَصَّاصُ:
السِّحْرُ مَتَى أُطْلِقَ فَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ أَمْرٍ مُمَوَّهٍ بَاطِلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ" يَعْنِي مَوَّهُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْعَى، وَقَالَ تَعَالَى: " فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى" فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا ظَنُّوهُ سَعْيًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا وَإِنَّمَا كَانَ تَخْيِيلًا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا كَانَتْ عِصِيًّا مُجَوَّفَةً مَمْلُوءَةً زِئْبَقًا، وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مَعْمُولَةً مِنْ أُدْمٍ مَحْشُوَّةً زِئْبَقًا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُمَوَّهًا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى أَنَّ السِّحْرَ قِسْمَانِ:
القِسْمٌ الأول: هُوَ حِيَلٌ وَمُخْرَقَةٌ وَتَهْوِيلٌ وَشَعْوَذَةٌ، وَإِيهَامٌ، لَيْسَ لَهُ حَقَائِقُ، أَوْ لَهُ حَقَائِقُ لَكِنْ لَطَفَ مَأْخَذُهَا، وَلَوْ كُشِفَ أَمْرُهَا لَعُلِمَ أَنَّهَا أَفْعَالٌ مُعْتَادَةٌ يُمْكِنُ لِمَنْ عَرَفَ وَجْهَهَا أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ خَوَاصِّ الْمَوَادِّ وَالْحِيَلِ الْهَنْدَسِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى السِّحْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم" وَهَذَا مَا لَمْ يَكُن خَفَاءُ وَجْهِهِ ضَعِيفًا فَلَا يُسَمَّى سِحْرًا اصْطِلَاحًا، وَقَدْ يُسَمَّى سِحْرًا لُغَةً، كَمَا قَالُوا: (سَحَرْت الصَّبِيَّ) بِمَعْنَى خَدَعْته.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى أَنَّ السِّحْرَ قِسْمَانِ:
القِسْمٌ الأول: هُوَ حِيَلٌ وَمُخْرَقَةٌ وَتَهْوِيلٌ وَشَعْوَذَةٌ، وَإِيهَامٌ، لَيْسَ لَهُ حَقَائِقُ، أَوْ لَهُ حَقَائِقُ لَكِنْ لَطَفَ مَأْخَذُهَا، وَلَوْ كُشِفَ أَمْرُهَا لَعُلِمَ أَنَّهَا أَفْعَالٌ مُعْتَادَةٌ يُمْكِنُ لِمَنْ عَرَفَ وَجْهَهَا أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ خَوَاصِّ الْمَوَادِّ وَالْحِيَلِ الْهَنْدَسِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى السِّحْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم" وَهَذَا مَا لَمْ يَكُن خَفَاءُ وَجْهِهِ ضَعِيفًا فَلَا يُسَمَّى سِحْرًا اصْطِلَاحًا، وَقَدْ يُسَمَّى سِحْرًا لُغَةً، كَمَا قَالُوا: (سَحَرْت الصَّبِيَّ) بِمَعْنَى خَدَعْته.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَهُ حَقِيقَةٌ وَوُجُودٌ وَتَأْثِيرٌ فِي الْأَبْدَانِ. فَقَدْ ذَهَبُوا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِتَأْثِيرِ السِّحْرِ وَإِحْدَاثِهِ الْمَرَضَ وَالضَّرَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ.
الأدلة من القرآن
- " وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ" (البقرة:102).
- "قَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ" (الأعراف : 132).
- "فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" (يونس: 81).
- وَالنَّفَّاثَاتُ فِي الْعُقَدِ: هُنَّ السَّوَاحِرُ مِنْ النِّسَاءِ. فَلَمَّا أُمِرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِنَّ عُلِمَ أَنَّ لَهُنَّ تَأْثِيرًا وَضَرَرًا.
- "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)" (الفلق: 1-5).
الأدلة من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء، وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم، وهو عندي دعا الله، ودعا، ثم قال: (أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيت؟ قلت: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان، فجلس أحدثما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فبماذا؟ قال: في مشط ومشاطه، وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكان نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال: لا، أما فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثور على الناس منه شرًا، فأمر بها فدفنت). متفق عليه، وفي رواية لمسلم: قالت: فقلت: (يا رسول الله أفلا أخرجته؟ قال: لا).
الأدلة من واقعنا
كل الأمم في كل زمان ومكان بل وكل ملة ودين يعلمون أن السحر موجود بل إلى الآن يعرفونه ويعتقدون بوجوده بل ويدرّسونه في بلاد الغرب وأما في بلاد المشرق فقد استشرى أمر السحر ومزاوله حتى بين المسلمين.
أنواع السحر وأقسامه
أنواع السحر كثيرة جداً لاتحصى إلا أن بعضهم حصره في ثلاثة أنواع وبعضهم في ثمانية أنواع ونورد بعض ما كتب.
أقسام السحر وأنواعه:
إن البحث والتقصي تحت هذا العنوان يفضي لطرح تساؤلات عدة، ومن هذه التساؤلات:
إن البحث والتقصي تحت هذا العنوان يفضي لطرح تساؤلات عدة، ومن هذه التساؤلات:
هل يقوم السحر على وتيرة واحدة، لإحداث آثاره المتعددة؟! وإذا كان للسحر أنواع، فهل كل نوع منها يمثل كيانا مستقلا عن باقي الأنواع ؟! أم أن هناك ارتباطا بين هذه الأنواع ؟!
حقيقة إن أنواع السحر ترتبط وتتلاقى في عدة أمور، لكن لوحظ أن من تكلم عن السحر وأنواعه قد ذكر أنواعًا تصل إلى ثمانية، وبعد القراءة المتكررة، والتمحيص لهذه الأنواع، وجد أن أنواع السحر التي تعتبر أنواعًا حقيقية ترتبط بمفهوم السحر الاصطلاحي، وبآثار السحر ونتائجه لا تتعدى الخمسة فقط، وقد تقتصر إلى ثلاثة أنواع باعتبار أن بعض الأنواع تختص بعنصر التأثيرات أو المؤثرات، وما عدا ذلك لا يعد من أنواع السحر.
ومثال تلك الأنواع التي تخرج عن المفهوم الاصطلاحي للسحر:
( أ )- السعي بالنميمة والوشاية بين الناس للإفساد من وجوه خفية لطيفة.
( أ )- السعي بالنميمة والوشاية بين الناس للإفساد من وجوه خفية لطيفة.
قال الشرواني: (قال يحيى بن أبي كثير: يفسد النمام والكذّاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة) (حواشي الشرواني: ج9، ص 181). ويؤكد ذلك المفهوم ما ذكره الجصاص في كتابه (تفسير آيات الأحكام) حيث قال:
وقد حكي أن امرأة أرادت إفساد ما بين زوجين، فجاءت إلى الزوجة فقالت لها: إن زوجك معرض عنك، وهو يريد أن يتزوج عليك، وسأسحره لك حتى لا يرغب عنك ولا يريد سواك، ولكن لابد أن تأخذي من شعر حلقه بالموس ثلاث شعرات إذا نام وتعطينيها حتى يتم سحره، فاغترت المرأة بقولها وصدقتها، ثم ذهبت إلى الرجل وقالت له: إن امرأتك قد أحبت رجلا وقد عزمت على أن تذبحك بالموس عند النوم لتتخلص منك، وقد أشفقت عليك ولزمني نصحك، فتيقظ لها هذه الليلة، وتظاهر بالنوم، فلما جاءت زوجته بالموس لتحلق بعض شعرات حلقه، فتح عينيه فرآها وبيدها الموس فقتلها ، فلما بلغ الخبر إلى أهلها جاءوا فقتلوه (تفسير آيات الأحكام: ج 1، 48) .
(ب)- الاحتيال في إطعام البعض، بعض الأدوية المؤثرة في العقل. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: (السحر ينقسم إلى قسمين:
الأول: عقد ورقى، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى الإشراك بالشياطين فيما يريد لضرر المسحور، قال الله تعالى: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ" (البقرة: 102).
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور، وعقله، وإرادته، وميله وهو ما يسمى عندهم: بالعطف والصرف، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه (مرجع المعالجين من القرآن الكريم والحديث الشريف: ص 327 - 328).
أقسام السحر عند علماء الاجتماع:
أ ) - السحر الأبيض: وهو الذي يخدم أهدافـًا علمية واجتماعية، مثل: سحر الحب والتداوي، والتنبؤ بالمستقبل.
(ب)- الاحتيال في إطعام البعض، بعض الأدوية المؤثرة في العقل. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: (السحر ينقسم إلى قسمين:
الأول: عقد ورقى، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى الإشراك بالشياطين فيما يريد لضرر المسحور، قال الله تعالى: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ" (البقرة: 102).
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور، وعقله، وإرادته، وميله وهو ما يسمى عندهم: بالعطف والصرف، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه (مرجع المعالجين من القرآن الكريم والحديث الشريف: ص 327 - 328).
أقسام السحر عند علماء الاجتماع:
أ ) - السحر الأبيض: وهو الذي يخدم أهدافـًا علمية واجتماعية، مثل: سحر الحب والتداوي، والتنبؤ بالمستقبل.
ب)- السحر الأسود: وهو الذي بقصد إلحاق الضرر بالآخرين.
قلت: وهذا التقسيم للسحر بناء على فهم علماء الاجتماع بشقيه الأبيض والأسود لا يختلف في مضمونه ومحتواه عن الأنواع السابقة، ولا يجوز مطلقـًا اقترافه أو فعله، وفاعله يكفر وهو مخرج من الملة.
أنواع السحر كما ذكرها أبو عبدالله الرازي:
قال ابن كثير - رحمه الله - : قد ذكر أبو عبدالله الرازي أن أنواع السحر ثمانية:
(تفسير القرآن العظيم: - باختصار - ج1، ص14- 138) .
- سحر الكذابين والكشدانيين: الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي: السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر.
- سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية.
- سحر الاستعانة بالأرواح الأرضية: وهم الجن .
- سحر التخييلات والأخذ بالعيون والشعبذة.
- الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية.
- الاستعانة بخواص الأدوية: يعني في الأطعمة والدهانات .
- التعليق للقلب: وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور.
- السعي بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس
أقسام السحر:
وقبل أن أتعرض لأنواع السحر بالتفصيل لابد من إيضاح بعض المسائل والاستدراكات الهامة وهي على النحو التالي:
- لا بد من اليقين الجازم بأن تأثير السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني، وفي ذلك يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه: "...وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ..." (البقرة: 102).
- ليس القصد مطلقا من عرض جزئيات هذا الموضوع، خاصة البحث في الأعراض المتعلقة بكل نوع من أنواع السحر المقارنة والقياس، بحيث يبدأ الشخص بمقارنة تلك الأعراض مع حالته ومعاناته، ويقع في الوهم والوسوسة والضياع، ولابد للمريض من عرض حالته أولاً على الطبيب المسلم ومن ثم رقية نفسه بالرقية الشرعية الثابتة، وإن استدعى الأمر فلا بأس بالذهاب عند من يوثق في علمه ودينه للرقية والعلاج والاستشفاء، بحيث يكون هذا الشخص متمرساً حاذقـًا؛ لكي يستطيع بإذن الله تعالى أن يحدد الأسباب الرئيسة للمعاناة والمرض.
- غالباً ما تكون الأعراض مشتركة ما بين السحر والأنواع الأخرى من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والعين والحسد ونحوه، ومن هنا كان لا بد من التريث في عملية التشخيص من قبل المعالج، بحيث يتم دراسة الحالة دراسة موضوعية دقيقية مستفيضة ليستطيع أن يحدد الداء ليصف الدواء النافع بإذن الله تعالى.
- لابد للمعالج من التأكد من سلامة الناحية الطبية المتعلقة بالمريض، فبعض الأمراض العضوية أو النفسية لها أعراض مشابهة تماما للأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والحسد والعين ونحوه، وكثيراً ما يستغل السحرة معرفة الأسباب الرئيسة لتلك الأمراض وتأثيرها ومن ثم إيجاد مثل تلك الأسباب بحيث يعتقد المرضى بأن المعاناة ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية، وعلى سبيل المثال فقد يحدث الساحر تأثيراً يؤدي لقتل الحيوانات المنوية عند الرجل ويعتقد آنذاك أن الحالة المرضية تعاني من العقم وعدم الإنجاب، وقس على ذلك كثير من الأمور التي يعمد إليها السحرة لإيهام الناس بتلك الأمراض، واهتمام المعالج بسلامة الناحية الطبية لا يعني مطلقاً عدم الاستشفاء بالرقية الشرعية من الأمراض العضوية أو النفسية، بل المقصود عدم تخبط المعالج في عملية التشخيص وإيهام بعض المرضى بالمعاناة من الأمراض التي تصيب النفس البشرية: كالصرع والسحر والعين ونحوه، علماً بأن المعاناة الأصلية ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية.
- يجب دراسة الأعراض دراسة دقيقة للوقوف على أسبابها الرئيسة، فقد تكون كافة تلك الأعراض ناتجة عن خلافات أو منازعات أو ظروف اجتماعية أدت لمثل تلك الأوضاع، ومن هنا كان لابد من التأني دون إطلاق الأحكام جزافا وإعادة مثل تلك الأمور التي قد تحصل للإصابة بالصرع والسحر والعين ونحوه .
- إن للسحر أعراض اجتماعية وأخرى عضوية متعلقة بطبيعة الجسم البشري، وسوف أقتصر البحث هنا على الأعراض الاجتماعية وبعض الأعراض العضوية البسيطة بسبب أن تلك الأعراض متشابهة تقريبا في كافة الأنواع مع اختلافات نوعية بسيطة، وسوف يتم ذكرها بالتفصيل في هذه السلسلة عند الحديث عن (المنهج الشرعي في علاج السحر).
- كافة الأنواع التي سوف يعرج عليها تحت أنواع السحر التأثيري قد تكون ناتجة عن السحر بشقيه التخيلي أو سحر الأرواح الخبيثة، ويعود الأمر في ذلك للأسلوب الذي يتبعه الساحر فيما يقوم به من أفعاله السحرية الخبيثة.
- لابد من الإشارة لنقطة هامة جدا تحت هذا العنوان، وهي أن كافة المسميات المتعلقة بأنواع السحر التأثيري عبارة عن اجتهادات بناها المعالجون بناء على الأحوال والأوضاع التي عايشوها ودرسوها نتيجة الخبرة والممارسة، وقد أشارت بعض النصوص القرآنية والحديثية لمثل تلك الآثار بشكل عام، وبالتالي فإن كافة تلك المسميات لا تعتبر أمور مسلمة بها، بل تخضع للتجربة والقياس.
أقسام السحر من حيث الأسلوب :
1)- السحر التخييلي: وقد أثبتت النصوص القرآنية والحديثية هذا النوع من أنواع السحر، يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه:"قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِىَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى" (طه: 60- 66) وقد ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله) (متفق عليه).
قال ابن القيم:
وفي الموطأ عن كعب قال: كلمات أحفظهن من التوراة، لولاها لجعلتني يهود حمارا: أعوذ بوجه الله العظيم، الذي لا شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى، ما علمت منها وما لم أعلم. من شر ما خلق، وذرأ وبرأ (بدائع التفسير: ج 5، ص 412).
قلت: وليس المقصود من قول الإمام مالك - رحمه الله - تعالى أن لسحر اليهود قدرة على تغيير الأمور وقلب حقيقتها التي خلقت عليها، ولكن قد يكون القصد من الكلام آنف الذكر إما التهويل وقدرة سحرة اليهود وبراعتهم في هذا الأمر، وإما أن يكون القصد قدرة سحرة اليهود على قلب الحقيقة في نظر الرائي دون المرئي وهو ما يسمى بسحر التخييل والله تعالى أعلم.
يقول ابن خلدون:
يقول ابن خلدون:
سحر التخيل هو أن يعمد الساحر إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف، ويلقي فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه، فينظر الراؤن كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك) (مقدمة ابن خلدون: ص 498).
قصة واقعية: يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله -:
حكى لنا بعض العامة أن ساحراً أتى إلى صاحب غنم ومعه شاه يقودها بأذنها، وطلب من صاحب الغنم أن يعطيه بدلها كبشاً ليذبحه لرفقته، ففعل ذلك صاحب الغنم، فبعد أن ذهب بالكبش تبين أن تلك الشاة التي جاء يقودها كانت حشرة من دواب الأرض قد لبس بها على عين الراعي الذي ذهب في أثره حتى أدركه مع رفقته وقد ذبحوا الكبش، فسألهم عن صاحب الكبش الذي لبس عليه، فدلوه على الساحر فجعل يوبخه، ثم مد يده إليه ليبطش به، وقبض على رأسه فانقلع رأسه في يده وتعلق بحنجرته، فذهل الراعي وهرب معتقداً أنهم من الشياطين (الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة: ص 113، 114).
2)- سحر المؤثرات : وهذا النوع يتم بعدة طرق منها ما هو مبني على الكواكب والنجوم، ومنها ما هو مبني على تصفية النفس وتعليق الوهم، ومنها ما يسمى: بالنيرنجات وهو سحر يعتمد على الأعضاء البشرية والحيوانية بمقادير معينة تمزج بطريقة مخصوصة على أن لكل عضو أثر مخصوص، وقسم آخر يعتمد على الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات، وغيره مما يعتمد على الأعداد والحروف (الأوفاق)، وكافة الأنواع المذكورة آنفا تؤثر بالمرض أو القتل أو الجنون أو منع الزواج أو ربط الرجل عن زوجه أو العقم أو الإيحاء، وكل ذلك يكون بتأثيرات وطرق خبيثة لا ينفذ تأثيرها إلا بإذن الله القدري الكوني .
3)- سحر تسليط الأرواح الخبيثة: وهذا النوع يتم بواسطته تسليط الجن والشياطين على المسحور لغرض معين يحدد من قبل الساحر بناء على توصية من قام بعمل السحر للمسحور، ويتم ذلك بطرق شتى يستخدم فيها الساحر العزائم والطلاسم الكفرية أو الشركية لاستحضار الأرواح واسترضائها بذلك لكي تسلط على من وكلت به .
كافة أنواع السحر ماعدا النوع المبني على التخييل والخداع مبنية على الرقى والعزائم، ولذا تعتبر الرقى والعزائم، قاعدة مطردة في كل نوع، ومن أراد الاستزادة بخصوص هذا الموضوع فعليه الرجوع لكتاب (موقف الإسلام من السحر - دراسة نقدية على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة -) للباحثة: حياة سعيد با أخضر.
أقسام السحر من حيث التأثير :-
إن المتأمل في النصوص القرآنية والحديثية يعتقد جازما متيقنا أن للسحر حقيقة وتأثيراً، ولذلك أمر الحق جل وعلا في محكم كتابه بالاستعاذة من (شر النفاثات في العقد) سواء كن النساء أو النفوس أو الجماعات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها - وهذا أمر اتفق عليه المفسرون حتى نفاة حقيقة السحر وأثره - وهذا دليل صريح في الدلالة على أن للسحر حقيقة وأثراً، وإلا فما معنى الاستعاذة بالله - تعالى - من شر النفاثات، ولو لم يكن لسحرهن أثر ضار، ثم إن النفث الذي هو فعل الساحر نفخ مع ريق قد مازج خبث نفسه المتكيفة بالشر والأذى فيعقد ذلك على اسم المسحور ويكرر ذلك الفعل والعقد، وللأرواح الشيطانية عون في ذلك. ومما لا شك فيه أن للسحر حقيقة وأثراً وتأثيراً يؤدي للتخيل والمرض والتفريق ونحو ذلك من أمور أخرى، وبعد اتضاح الرؤيا بخصوص الأثر والفعل الذي قد يحدثه السحر مع التيقن بأن أثر السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي.
حكى لنا بعض العامة أن ساحراً أتى إلى صاحب غنم ومعه شاه يقودها بأذنها، وطلب من صاحب الغنم أن يعطيه بدلها كبشاً ليذبحه لرفقته، ففعل ذلك صاحب الغنم، فبعد أن ذهب بالكبش تبين أن تلك الشاة التي جاء يقودها كانت حشرة من دواب الأرض قد لبس بها على عين الراعي الذي ذهب في أثره حتى أدركه مع رفقته وقد ذبحوا الكبش، فسألهم عن صاحب الكبش الذي لبس عليه، فدلوه على الساحر فجعل يوبخه، ثم مد يده إليه ليبطش به، وقبض على رأسه فانقلع رأسه في يده وتعلق بحنجرته، فذهل الراعي وهرب معتقداً أنهم من الشياطين (الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة: ص 113، 114).
2)- سحر المؤثرات : وهذا النوع يتم بعدة طرق منها ما هو مبني على الكواكب والنجوم، ومنها ما هو مبني على تصفية النفس وتعليق الوهم، ومنها ما يسمى: بالنيرنجات وهو سحر يعتمد على الأعضاء البشرية والحيوانية بمقادير معينة تمزج بطريقة مخصوصة على أن لكل عضو أثر مخصوص، وقسم آخر يعتمد على الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات، وغيره مما يعتمد على الأعداد والحروف (الأوفاق)، وكافة الأنواع المذكورة آنفا تؤثر بالمرض أو القتل أو الجنون أو منع الزواج أو ربط الرجل عن زوجه أو العقم أو الإيحاء، وكل ذلك يكون بتأثيرات وطرق خبيثة لا ينفذ تأثيرها إلا بإذن الله القدري الكوني .
3)- سحر تسليط الأرواح الخبيثة: وهذا النوع يتم بواسطته تسليط الجن والشياطين على المسحور لغرض معين يحدد من قبل الساحر بناء على توصية من قام بعمل السحر للمسحور، ويتم ذلك بطرق شتى يستخدم فيها الساحر العزائم والطلاسم الكفرية أو الشركية لاستحضار الأرواح واسترضائها بذلك لكي تسلط على من وكلت به .
كافة أنواع السحر ماعدا النوع المبني على التخييل والخداع مبنية على الرقى والعزائم، ولذا تعتبر الرقى والعزائم، قاعدة مطردة في كل نوع، ومن أراد الاستزادة بخصوص هذا الموضوع فعليه الرجوع لكتاب (موقف الإسلام من السحر - دراسة نقدية على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة -) للباحثة: حياة سعيد با أخضر.
أقسام السحر من حيث التأثير :-
إن المتأمل في النصوص القرآنية والحديثية يعتقد جازما متيقنا أن للسحر حقيقة وتأثيراً، ولذلك أمر الحق جل وعلا في محكم كتابه بالاستعاذة من (شر النفاثات في العقد) سواء كن النساء أو النفوس أو الجماعات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها - وهذا أمر اتفق عليه المفسرون حتى نفاة حقيقة السحر وأثره - وهذا دليل صريح في الدلالة على أن للسحر حقيقة وأثراً، وإلا فما معنى الاستعاذة بالله - تعالى - من شر النفاثات، ولو لم يكن لسحرهن أثر ضار، ثم إن النفث الذي هو فعل الساحر نفخ مع ريق قد مازج خبث نفسه المتكيفة بالشر والأذى فيعقد ذلك على اسم المسحور ويكرر ذلك الفعل والعقد، وللأرواح الشيطانية عون في ذلك. ومما لا شك فيه أن للسحر حقيقة وأثراً وتأثيراً يؤدي للتخيل والمرض والتفريق ونحو ذلك من أمور أخرى، وبعد اتضاح الرؤيا بخصوص الأثر والفعل الذي قد يحدثه السحر مع التيقن بأن أثر السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي.
ومن هنا فسوف أتعرض لأنواع السحر من حيث التأثير، وهي على النحو التالي:
1)- سحر الصرف (سحر التفريق): الدليل من كتاب الله عز وجل:
قال تعالى في محكم كتابه: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (البقرة: 102).
قال الحافظ بن حجر في الفتح:
قال المازري: وقيل لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله: " يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ" لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره.
وقال: والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك، قال: والآية ليست نصاً في منع الزيادة، ولو قلنا ظاهره في ذلك (فتح الباري: ج1، ص223).
وقد يستأنس من السنة المطهرة بحديث عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - فيما يتعلق بهذا النوع من أنواع السحر على النحو التالي:
عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئـًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت) (صحيح الجامع: 1526).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومن هنا قال طائفة من العلماء: إن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق؛ فإن الله يبغض الطلاق، وإنما يأمر به الشياطين والسحرة؛ كما قال تعالى في السحر: "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ" (البقرة: 102)، ثم ساق حديث جابر بن عبدالله آنف الذكر (مجموع الفتاوى: ج 32، 88، 89).
وقال - رحمه الله - :
السعي في التفريق بين الزوجين من أعظم المحرمات، بل هو فعل هاروت وماروت، وفعل الشيطان الحظي عند إبليس، كما جاء به الحديث الصحيح (بيان الدليل على بطلان التحليل: 609 - 61).
قلت: إن النصوص القرآنية والحديثية آنفة الذكر تدل على أنّ غاية الشيطان ومقصده التفريق بين الزوج وزوجه، بسبب أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم، وبهذا الفعل الدنيء يتحقق مراد الشيطان في تدمير المجتمعات الإسلامية وتقويضها، ومن هنا كانت الغاية الأساسية للشيطان وأتباعه التفريق بين الزوجين، وهو أقدر على التفريق بين المتحابين إذا توفرت له الأرضية التي يستطيع من خلالها الوصول لأهدافه وغاياته وقد اتضح هذا المفهوم من خلال أقوال أهل العلم كما مر معنا سابقاً، ومع أن الحديث الذي رواه جابر - رضي الله عنه - لا ينص أصلاً على الأسلوب الذي يتبعه الشيطان في وصوله لهذه الغاية ألا وهي التفريق بين الزوج وزوجه، إلا أن السحر من الأساليب التي يستأنس لها الشيطان لتحقيق تلك الأهداف، لما فيها من كفر صريح بالله عزّ وجل وهدم للأسر وتقويض للمجتمعات وقد أكد هذا المفهوم العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكذلك العلامة فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - في كلام لاحق .
قال المناوي:
إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم وتوقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فساداً وأكثرها معرة (فيض القدير: ج2، ص 408).
تعريف سحر الصرف: ويسمى كذلك: (سحر التفريق): وهو عمل وتأثير يسعى الساحر من خلاله للتفريق بين المتحابين أو المتآلفين، أو التفريق بين الأشخاص عامة لأسباب معينة بناء على توصية من قام بعمل السحر.
قال ابن كثير - رحمه الله - :
وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق.. أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة (تفسير القرآن العظيم: ج1، ص144). يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان - حفظه الله - : (والصرف عمل السحر لصرف من يحب إلى بغضه) (نشرة لفضيلة الشيخ: ص1، بتاريخ: 21/1/1417 هـ).
أنواع سحر الصرف:
قد يأخذ سحر الصرف شكلاً من الأشكال التالية:
أعراض سحر الصرف:
2)- سحر العطف (سحر المحبة): أدلة هذا النوع من السنة المطهرة:
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)(السلسلة الصحيحة: 331).
قال ابن الأثير: (التولة) بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره، وجعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى (النهاية في غريب الحديث: ج1، ص2).
تعريف سحر العطف: ويسمى كذلك (سحر المحبة): وهو عمل وتأثير يسعى الساحر من خلاله للجمع بين المتباغضين والمتنافرين، أو الجمع بين الأشخاص عامة لأسباب معينة بناء على توصية من قام بعمل السحر.
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم التوفيق بين الزوجين بالسحر فأجاب - رحمه الله -: هذا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعطف، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفرا وشركا قال الله تعالى: "وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ" (البقرة: 102) (فتاوى المرأة المسلمة: ج1، ص 148، نقلاً عن فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ج1، ص237).
يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان - حفظه الله - :
والعطف عمل السحر لعطف من يبغض إلى حبه من زوج وغيره ويسميه أهل الفجور دواء الحب وهو في الحقيقة الهلاك والعطب (نشرة لفضيلة الشيخ: ص1، بتاريخ 21 / 1 / 1417هـ).
أنواع سحر العطف: قد يأخذ سحر العطف شكلا من الأشكال التالية:
أعراض سحر العطف :
قصة واقعية:
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - :
كانت هذه امرأة عادية، ولكنها ترى من زوجها شيئاً من الإعراض وعدم المودة التي تريدها منه، فهو يعطيها حقها ويعاملها كسائر النساء، لكنها تريد منه أكثر من ذلك من المحبة والبقاء عندها والملازمة لها، فدخلت عليها عجوز تعمل السحر، فأخبرتها بخبر زوجها، فأعطتها العجوز دواء في صرة، وأمرتها أن تجعله في طعامه، ولكن المرأة تورعت فجعلت الدواء في رغيف وأطعمته داجناً عندهم، فبعد أن أكله ذلك الداجن علق بها، فصار يتبعها ولا يفارقها ولا يستقر حتى يلصق رأسه ببطنها أو يجعله في حجرها وصار يلاحقها أينما ذهبت، فعجب زوجها من أمرها وأمره، ثم إنها أخبرت زوجها بأنها صرفت هذا الدواء عنه، ولو أعطته الدواء لفعل كما فعل الداجن، فلما أخبرته بادر بطلاقها، وقال: أخشى في المرة الثانية أن تجعليه في طعامي (الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة: ص 141، 142).
3)- سحر التخييلات (سحر التخييل): الدليل من كتاب الله عز وجل:
قال الطبري:
وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى (جامع البيان في تأويل القرآن: ج 8، ص433).
الدليل من السنة المطهرة:
وقد ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: (يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب - أي مسحور - ، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه. فجاء فقال: يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً. فأمر بها فدفنت) (متفق عليه)، وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - بأسانيد مختلفة.
قال الحافظ بن حجر في الفتح:
قال المازري: - عن إنكار بعض المبتدعة لهذا الحديث - وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين، قال: وقد قال بعض الناس أن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن، وهذا كثير ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة (فتح الباري: ج1، ص227).
تعريف سحر التخييلات: ويسمى كذلك (سحر التخييل): وهو عمل وتأثير يسعى الساحر من خلاله إلى قلب الحقائق، فيرى المسحور الشيء على غير حقيقته.
قال الدكتور محمد محمود عبدالله مدرس علوم القرآن بالأزهر:
سحر التخييل: هو أن ترى الثابت متحركاً، والمتحرك ثابتاً، والكبير صغيراً، والعكس، والمريض صحيحاً، وعكسه، والقبيح حسناً.
وخلاصته: أن الأشياء ترى على غير حقيقتها على سبيل المثال: ما رآه الناس من سحرة الزمان: الحجر طفلاً؛ والعصا ثعباناً. فكل زمان له سحرة، لكنهم يختلفون في منهجية السحر التنفيذية: يقوم الساحر بإحضار شيء يعرفه الناس، ثم يتلو عزيمته وطلاسمه الشيطانية ؛ فيرى الناس الشيء على غير حقيقته (إعجاز القرآن في علاج السحر والحسد ومسّ الشيطان: ص 85).
أنواع سحر التخييل: قد يأخذ سحر التخييلات شكلا من الأشكال التالية:
أعراض سحر التخييل:
4)- سحر الآلام والأسقام (سحر المرض):
تعريف سحر الآلام والأسقام: ويسمى (سحر المرض): وهو عمل وتأثير لإصابة الشخص بالآلام والأسقام، فتراه طريح الفراش عليل البدن، وقد تكون العلة في موضع واحد، وقد تنتقل من موضع إلى موضع، وكل ذلك بناء على ما يمليه ويفعله الساحر.
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - :
وأما سحر المرض فقد قيل إن أغلب الأمراض المستعصية هي بسبب الجن الذين يسخرهم الساحر فيلابسون الإنسان، ويحدث ذلك تعطيل بعض الأعضاء عن منافعها فينهك البدن، ويعظم الضرر، ولا يوجد في الطب له علاج سوى الأدوية المهدية، والأولى استعمال الرقى النافعة المؤثرة ، فلها تأثير كبير في تخفيف ذلك المرض كالسرطان والجلطة والشلل ونحوها (الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة: ص 158 - 159).
أنواع سحر المرض: قد يأخذ سحر الآلام والأسقام شكلا من الأشكال التالية:
وينقسم هذا النوع إلى قسمين:
أعراض سحر المرض بشكل عام:
|
5)- سحر الجنون:
تعريف سحر الجنون:
هو عمل وتأثير لإحداث اضطرابات نفسية وعصبية تؤثر تأثيرا مباشراً على المسحور فيظهر وكأنه قد أصيب بالجنون، حيث لا يستطيع التركيز أو التفكير أو التمييز ويتصرف دون وعي أو إدراك، وذلك لأسباب معينة بناء على توصية من قام بعمل السحر.
قال الدكتور محمد محمود عبدالله مدرس علوم القرآن بالأزهر:
سحر الجنون: ينشأ بسبب الحقد، فيقوم الساحر بتكليف خادم من الجن بتغييب عقل المسحور- بما يشبه الزوال - ممثلاً في ضعف التركيز، التردد، تغيير الاتجاه، عدم القدرة على اتخاذ القرار وحسم الأمور، الشك في كل الأشياء.
الخوف ممن حوله:
يتصور الأحباب أعداء. وقد يكون بصور غير هذه: كالجري وتمزيق الملابس والتردي، وغيره من الأمور المنافية للعقل (إعجاز القرآن في علاج السحر والحسد ومسّ الشيطان: ص87).
أنواع سحر الجنون: قد يأخذ سحر الجنون شكلاً من الأشكال التالية:
أعراض سحر الجنون:
6)- سحر تقويض العلاقات الزوجية: تعريف سحر تقويض العلاقات الزوجية: هو عمل وتأثير لتقويض العلاقات الزوجية بطرق شيطانية خبيثة، وغالباً ما تؤدي لتعطيل الزواج أصلاً، أو خلق أسباب ومشكلات جنسية لكلا الطرفين تؤدي بالتالي إلى الانفصال والطلاق. أنواع سحر تقويض العلاقات الزوجية: قد يأخذ سحر تقويض العلاقات الزوجية شكلا من الأشكال التالية:
أ)- سحر تعطيل الزواج: ويؤدي هذا النوع إلى عدم إتمام الزواج بين الرجل والمرأة، وذلك باتباع وسائل وطرق شيطانية خبيثة، أذكر منها:
ب)- عقد الزوج عن زوجه (سحر ربط الزوج): ويؤدي هذا النوع إلى سلب الرجل القدرة الجنسية على إتيان أهله، وذلك باتباع طرق شيطانية خبيثة أذكر منها:
1. ربط الكراهية: ويشعر المسحور بعدم القدرة على الاجتماع مع الزوجة في مكان واحد، وكذلك يشعر بضيق شديد في الصدر، مما يمنعه من القدرة على إتيانها ووطئها.
2. ربط الاشمئزاز والتقزز: ويشعر المسحور بعدم القدرة على النظر في وجه الزوجة والشعور بالاشمئزاز والتقزز منها ومن جلستها والحديث معها، مع الشعور بالغثيان عند مجالستها أو الحديث معها، وهذا يمنعه من إتيان زوجته ووطئها . 3. ربط التغوير: ويؤدي هذا النوع لإيهام الزوج ليلة دخوله على زوجته بأنها ثيب وليست بكراً، مما يوقع الشك في نفسه، فينفر منها ويكرهها، وقد يؤدي هذا الأمر إلى الانفصال والطلاق. 4. الربط الجنسي وينقسم إلى قسمين:
قال ابن قدامة:
وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها وإذا حل عقده يقدر عليها بعد عجزه عنها حتى صار متواتراً لا يمكن جحده (المغني: ج1، ص106).
قال البغوي:
وروي أن امرأة دخلت على عائشة، فقالت: هل علي حرج أن أقيد جملي؟ قالت: قيدي جملك، قالت: فأحبس علي زوجي؟ فقالت عائشة: أخرجوا عني الساحرة، فأخرجوها. وروي أنها قالت لعائشة: أوخذ جملي، ومعناه هذا، يقال: أخذت المرأة زوجها تأخيذا، إذا حبسته عن سائر النساء (شرح السنة: ج12، ص19 - وروي بصيغة التمريض أي التضعيف).
5. سحر قتل الشهوة الجنسية: ويؤدي هذا النوع إلى تعطيل مراكز الإثارة في الدماغ عند الرجل، بحيث لا يشعر بأية استثارة أو رغبة في النساء أو العزوف عن الزوجة وكرهها أو التفكير في هذا الأمر، وقد يحصل هذا الأمر كذلك قبل الزواج مما يؤدي إلى كره الحديث عن هذا الأمر أو سماعه من الآخرين. 6. الهوس الجنسي: ويؤدي هذا النوع لإثارة الرجل إلى أقصى درجة ممكنة بحيث يعمد السحر إلى استثارة مراكز الإثارة في الدماغ، فيشتهي الرجل النساء في كل لحظة وكل ساعة، ولكنه لا يستطيع جماع زوجته، فينفر منها ولا يستطيع اقترابها، وقد يؤدي مثل هذا النوع غالباً لمفاسد شرعية عظيمة ومنها كثرة استخدام العادة السرية. 7. سحر سرعة القذف: ويتم ذلك من خلال التحكم بالانقباضات العضلية والعصبية التي تؤدي في النهاية إلى دفع السائل المنوي خارج مجرى البول، والغالب من الناحية الطبية أن الأسباب الرئيسة لحدوث ذلك هي أمراض العمود الفقري. ويؤدي هذا النوع من أنواع السحر لإيجاد سرعة قذف عند الرجل تحرمه وتحرم زوجه من هذه اللذة المشروعة، وهذا يولد اضطرابات نفسية عند الزوج، وبالتالي كره الزوجة والناس والمجتمع. 8. عدم القدرة على الإنزال: ويؤدي هذا النوع إلى عدم تمكين الرجل من تفريغ طاقته الجنسية وذلك بمنعه من القدرة على الإنزال، ويعتبر هذا الأسلوب من أخطر الأساليب التي يتبعها السحرة والتي تؤثر على نفسية المريض فيكره الزوجة والجماع ويخاف منه . ج)- عقد الزوجة عن زوجها (سحر ربط الزوجة): ويؤدي هذا النوع إلى سلب المرأة لذة الجماع، بل قد يصل الأمر إلى عدم استطاعة الرجل جماع زوجته بسبب وجود عوائق تحول دون ذلك الأمر، ويتبع الساحر طرقا شيطانية خبيثة في سبيل ذلك، أذكر منها:
د)- العقم وعدم الإنجاب: ويؤدي هذا النوع لإحداث عقم وعدم إنجاب لدى كل من الزوج والزوجة دون اتضاح أية أسباب طبية لمثل ذلك، وقد ورد الدليل على هذا النوع من أنواع السحر في السنة المطهرة. فقد روى أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء: (أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة. قالت: فخرجت، وأنا متم - أي مقاربة للولادة -، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، فدعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبرك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام - للمهاجرين بالمدينة -، قالت: ففرحوا به فرحاً شديداً، وذلك أنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم، فلا يولد لكم) ( متفق عليه )، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن السحر قد يحدث تأثيراً لمنع الحمل بين الزوجين بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي .
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن إمكانية أن يكون العقم لدى الرجل أو المرأة بسبب السحر؟
فأجاب - حفظه الله - :
الأصل أن العقم من تقدير الله تعالى وخلقه، كما قال تعالى: "وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا" (الشورى:5)، وقال عن زكريا: "وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا" (مريم: 5)، فالله سبحانه قدر أن بعض خلقه لا يولد له، سواء من الرجال أو من النساء، وقد يوجد لشيء من ذلك علاج مؤثر بإذن الله تعالى، فيزول العقم بواسطة بعض الأدوية والعقاقير، وقد يكون خلقة أصلية لا تؤثر فيه العلاجات.
وقد يكون العقم بسبب عمل شيطاني من بعض السحرة والحسدة، فيعمل أحدهم للرجل أو المرأة عملاً يبطل به أسباب الإنجاب؛ وذلك بحيل خفية تساعده عليها الشياطين، أو أن نفس الشيطان الملابس له يعمل في إبطال تأثير الوطء في الحبل، سواء من الرجل أو المرأة، فالشياطين الملابسة للإنس لهم من التمكن في جسم الإنسان ما أقدرهم الله عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) (متفق عليه) فعلى هذا يعرف أنه عمل سحرة بتجربة الإنجاب في شخص آخر، فإذا كان الرجل له أولاد من امرأة أخرى، والمرأة لها أولاد من رجل آخر، عرف أن توقف الولادة بسبب هذا العمل فيسعى في علاجه بالرقى والتعوذات والأدعية النافعة، وكثرة ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، والتنزه عن المحرمات والمعاصي، وتنزيه المنزل عن آلات اللهو والباطل ونحو ذلك مما تتسلط به الشياطين، وتتمكن من التأثير في الإنسان، ويسبب بعد الملائكة عن المنازل التي تظهر فيها المعاصي، وبهذه الإرشادات يخف تأثير السحرة بإذن الله تعالى (الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة: ص 184، 186).
ويتبع الساحر طرق شيطانية خبيثة في سبيل ذلك، أذكر منها :-
حكم السحر والساحر
السِّحْر: عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ.
فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ، ومِنْهُ مَا يُمْرِضُ وَمِنْهُ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ زَوْجَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا أَوْ يَعْقِدُ الْمُتَزَوِّجَ فَلَا يُطِيقُ وَطْأَهَا وَمَا كَانَ مِثْلُ فِعْلِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ حِينَ سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مُشْطٍ (بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَمِيمٌ تَكْسِرُهَا) وَمُشَاطَةٍ (بِضَمِّ الْمِيمِ) مَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّعْرِ عِنْد مَشْطِهِ رَوَتْ عَائِشَةُ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ) أَوْ يَسْحَرُهُ حَتَّى يَهِيمَ مَعَ الْوَحْشِ وَمِنْهُ - أَيْ السِّحْرِ- مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَيُحَبِّبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ - زَوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا- .
وقال بعض العلماء:
إنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِقَوْلِهِ تعالى: "يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى" (طه: 66)، وَجَوَابُهُ قوله تعالى: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" (الفلق: 1) - إلَى قَوْله - "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" (الفلق: 4) أَيْ: السَّوَاحِرِ اللَّاتِي يَعْقِدْنَ فِي سِحْرِهِنَّ، وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً لَمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَيَكْفُرُ (السَّاحِرُ) بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمُهُ أَوْ إبَاحَتَهُ كَاَلَّذِي يَرْكَبُ الْحِمَارَ مِنْ مِكْنَسَةٍ وَغَيْرِهَا فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ، لقوله تعالى: " وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ" (البقرة: 102) وَيُقْتَلُ - السَّاحِرُ- إنْ كَانَ مُسْلِمًا بِالسَّيْفِ. لِمَا رَوَى جُنْدُبُ مَرْفُوعًا قَالَ: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ الصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ. وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: (كُنْتُ كَاتِبًا لِلْجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَتَانَا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ. وَفِي رِوَايَةِ (فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا) رَوَاهُ مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ (وَكَذَا مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ) أَيْ (السِّحْرِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُقْتَلُ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ.
جاء في الموسوعة الفقهية:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَةَ السِّحْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ تَعَلَّمَهُ أَوْ عَمِلَهُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ تَعَلُّمِ السِّحْرِ وَعَمَلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اعْتِقَادٌ أَوْ عَمَلُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى تَكْفِيرِهِ مُطْلَقًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَنِسْبَةِ الْكَائِنَاتِ وَالْمَقَادِيرِ إلَى غَيْرِ اللَّهِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَلَا يُسْتَتَابُ لِعَمَلِ السِّحْرِ، لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ) فَسَمَّاهُ حَدًّا، وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. وَقَصَرَهُ الْحَنَابِلَةُ عَلَى السَّاحِرِ الَّذِي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ إنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ مَا لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ كَانَ يَسُرُّهُ قُتِلَ مُطْلَقًا، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ. وعَمَلُ السِّحْرِ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَأَدِلَّةُ تَحْرِيمِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
أ - قوله تعالى: "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِك تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى".
ب - قوله تعالى: "وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ"، فَجَعَلَهُ مِنْ تَعْلِيمِ الشَّيَاطِينِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: "وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ" فَأَثْبَت فِيهِ ضَرَرًا بِلَا نَفْعٍ.
ج- قوله تعالى حِكَايَةً عَنْ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ: " إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاَللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى" فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ رَغِبُوا إلَى اللَّهِ فِي أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ السِّحْرَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَنْبٌ. د - قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ... الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ ... }. الْحَدِيثُ.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: بَيْنَ مَا كَانَ مِنْ السِّحْرِ تَمْوِيهًا وَحِيلَةً، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَقَالُوا: إنَّ الْأَوَّلَ مُبَاحٌ، أَيْ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللَّهْوِ فَيُبَاحُ مَا لَمْ يُتَوَصَّلْ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ كَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ وَإِرْهَابِهِمْ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَمَّا مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ كَمَا يَفْعَلُهُ أَصْحَابُ الْحِيَلِ بِمَعُونَةِ الْآلَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ، أَوْ يُرِيهِ صَاحِبُ خِفَّةِ الْيَدِ فَغَيْرُ مَذْمُومٍ، وَتَسْمِيَتُهُ سِحْرًا عَلَى التَّجَوُّزِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الدِّقَّةِ. |
0 التعليقات :
Enregistrer un commentaire